المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة
تَعَلَّموا العربيَّةَ ،وعلِّموها الناسَ
إعداد: محمد الجاسم
تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفة ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطَبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين ،إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضمِّ الأغلاط الشائعة.
لذلك أعددتُ لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثينَ حلقةً (رابعة ـ جديدة) من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة (المصور العربي) ،التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).
رمضان العام 1444الهجري
(114)
الجهات: اليَمِينُ..واليَسَارُ..أم..اليَمِينُ والشِّمَالُ ..؟
(إذا انقلبتْ سيارةٌ يسارًا فيمكن تجاوزُها من اليمين )،عبارة تتكرر في معجم قوانين وأنظمة المرور في العراق وغيره من الدول العربية،وقد ساد بين العامة والخاصة لفظ (اليسار) ويريدون به (الشمال) جِهَةً.وهذا من الأغلاط الشائعة.
لكننا نرى أن الفيروزأبادي في معجمه الشهير(القاموس المحيط) يُعَرِّفُ (الشمال) بأنه:” ضِدُّ اليمينِ، كالشِيمالِ والشِمْلال، ج: أشْمُلٌ وشَمائِلُ وشُمُلٌ وشِمالٌ، بلفظِ الواحِدِ. شَمَلَ به: أخَذَ ذات الشِمالِ.”،
وهذا يتطابق مع الشواهد القرآنية للفظ (الشمال) ، عكس (اليمين)،جِهَةً. كقوله تعالى:
” وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا “الكهف – 17.
وقوله تعالى:
” وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا “الكهف – 18.
وقوله تعالى:
” وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ” الواقعة ـ 41.
ورُوِيَ عن النبي(ص) ،” أنَّه خَرَجَ إلى المُصَلَّى فَاسْتَسْقَى فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وقَلَبَ رِدَاءَهُ، وصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ : قَلْبُ الرِّدَاءِ جَعْلُ الْيَمِينِ الشِّمَالَ ، وَالشِّمَالِ الْيَمِينَ “.
وفي سنن الترمذي عن عبد الله بن عمر عن النبي(ص) أنه قال:
” لَا يَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ ، وَلَا يَشْرَبْ بِشِمَالِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ”
وفي هذا المعنى في جهة الشمال، عكس جهة اليمين، قال الشاعر المتنبي:
” بَسَطَ الرّعبُ في اليَمينِ يَميناً … فَتَوَلّوْا وَفي الشّمالِ شِمَالا “.
فلم تردْ في تراث الأمة إشارةٌ الى (جهة) الشِّمال بلفظ (اليسار)أو (الجهة) اليسرى، إلا ما أشارَ العربُ بهذا اللفظ ِ بحدود معنى اليُسْرِ ضدَّ العُسْرِ،
كقوله تعالى:
” وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ” الأعلى ـ 8 .
وعدا ماوضّحنا بخصوص (الجهة) ، فقد اخْتَصَّتْ في الأثر تسميةُ كلِّ أحَدِ عضوَيْنِ متقابِلَيْنِ من الجَسَدِ ،كاليدِ اليمنى واليد اليسرى،والفَخِذِ اليمنى والفَخِذِ اليسرى،والعينِ اليمنى والعينِ اليسرى،والإبهامِ الأيمنِ والإبهامِ الأيسرِ،في الكَفِّ الأيمنِ والكفِّ الأيسر،والبُطّيْنِ الأيمن والبُطَيْنِ الأيسر في القلب.
كقوله تعالى:
” وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ” طه ـ 17.
وقول الشاعر الوَأْوَاءُ الدمشقي:
” ما أفسدتْ يدُها اليُمْنَى محاسِنَهُ … مُذْ أَصْلَحَتْ يَدُها اليُسْرَى مَساوِيهِ “.
وَرُبَّ قَوْل.. أَنْفَذُ مِنْ صَوْل