الدولة الريعية: اعاقة الديمقراطية —مصدر الخبر— وكالة أرض آشور الاخبارية

محمد عبد الجبار الشبوط..

تدل الخبرة التاريخية منذ التجربة الديمقراطية الاولى في العصر الحديث في مدينة جيمس تاون في ولاية فيرجينيا الاميركية عام ١٦١٩ مرورا بكل التجارب الديمقراطية اللاحقة، على ان “الشرط التأسيسي” لقيام الديمقراطية يتمثل بوجود المواطن الفعال، او المجتمع المدني المستقل، او الشعب المتحرر اقتصاديا. لان الديمقراطية نظام سياسي يعتمد بالدرجة الاولى على المشاركة السياسية الشعبية الواسعة والقوية والمستقلة. وقوة الشعب لا تقاس بقدرته على التظاهر وتخريب المنشآت العامة وقطع الطرقات وحرق المباني الحكومية، وانما تقاس بدرجة استقلاليته الاقتصادية عن الدولة. فكلما ارتفعت هذه الدرجة ازداد الشعب قوة، وكلما تدنت استقلالية المجتمع الاقتصادية كلما ضعفت قوته السياسية امام الدولة، او الطبقة السياسية الحاكمة، او الحكومة. المجتمع المنتج اقتصاديا قوي سياسيا، والمجتمع المستهلك اقتصاديا ضعيف سياسيا.
قوة المجتمع الاقتصادية تنبع من طبيعة الاقتصاد. فالاقتصاد الريعي ينتج مجتمعا استهلاكيا ضعيفا امام الدولة-الحكومة، والاقتصاد الانتاجي ينتج مجتمعا قويا امام الدولة والسلطة.
تشير دراسة اعدها الدكتور صالح ياسر الى ان الاقتصاد الريعي يعني اعتماد البلد على استخراج ثروة طبيعية من باطن الارض كالنفط. و تقوم الدولة باستملاك العائدات النفطية والتحكم بها، وتلعب دور الموزع للثروة، حيث تصبح الدولة هي المانح او رب العمل الكبير، ويصبح الشعب هو المتلقي للمنحة والاجير لدى الدولة. وتتغير معادلة المصالح في الدولة والمجتمع. فيكون من مصلحة النخبة السياسية الحاكمة الاستمرار في الامساك بازمة الدولة والحكم والاقتصاد، ومن مصلحة المواطنين التوظيف في دوائر الدولة باعتبار ذلك الطريق الوحيد للحصول على حصة من عائدات النفط. ومثل هكذا نخبة حاكمة لا يمكن ان تكون “رافعة اجتماعية للديمقراطية” لان “ما يحرك هذه النخبة ويشكل سلوكها السياسي هو الرغبة الجامحة للامساك والسيطرة والاستحواذ على الريع”. وهكذا تلد الدولة الريعية الاستبداد والتسلط بسبب بنيتها والقوى التي تستند اليها. ولا تكون الديمقراطية هدفا للنخبة الحاكمة ولا هدفا للشعب المحكوم، لان النظام السياسي القائم على الاقتصاد الريعي لا يحتاج الى عملية سياسية ديمقراطية شعبية وانما يكفيه منظومة تحالفات تقليدية تمكن القوى الفاعلة فيه من الاستمرار بالامساك بالسلطة ومنافعها، وتوظيف اكبر عدد ممكن من المواطنين في دوائر الدولة.
الدولة الريعية لا تحصل على مواردها من الضرائب المفروضة على المواطنين وبالتالي فهي لا تخضع لمحاسبة المواطنين، فتصبح مستقلة سياسيا استنادا الى استقلالها الاقتصادي و الدولة المستقلة عن مواطنيها تعيق التحول الديمقراطي وتمنع تطور المجتمع المدني هذا يقطع الطريق امام بناء وتطور مؤسسات ديمقراطية حقيقية تستند الى المواطنة.
وهذا ما حصل في العراق تدريجيا منذ قيام النظام الجمهوري في ١٤ تموز عام ١٩٥٨ الى الان حيث واصل القطاع النفطي هيمنته على الاقتصاد وتراجع حجم مساهمة القطاعين الزراعي والصناعي الى ٩.٢٪ و ٢.٣٪ على التوالي. و تضخم دور الدولة في الانفاق حيث بلغ ٧٩.٧٪ في عام ٢٠١٢. فيما شكلت الايرادات النفطية ٨٨.٨٪ من الايرادات العامة في عام ٢٠١٢. و بلغت مساهمة القطاع النفطي في عام ٢٠٠٧ ما نسبته ٨٥.٨٪ من الناتج المحلي الاجمالي.
يرتبط الاصلاح السياسي عضويا بالاصلاح الاقتصادي. والاصلاح الاقتصادي يعني الخروج من دائرة الدولة ذات الاقتصاد الريعي والمجتمع الاستهلاكي الى الدولة ذات الاقتصاد الانتاجي والمجتمع المنتج. ويقع عاتق الاصلاح السياسي- الاقتصادي على عاتق الحاكمين والمحكومين معا مع الاقرار باختلاف طبيعة دور كل طرف منهما. لكن المهم ان يكون هذا هدفا مشتركا لكليهما حيث لا يمكن التحرر من تبعات الاقتصاد الريعي الا بهذه الشراكة والتعاون في الجهد المبذول لتحقيقه. وهذه كلها خطوات في طريق اعادة النصاب الصحيح للمركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به، وتمهيد لقيام الدولة الحضارية الحديثة في العراق.
إضغط هنا للأطلاع على مصدر الخبر في وكالة أرض آشور الاخبارية

اترك تعليقا
آخر الأخبار
35 هزة ارضية لقطتها المراصد في حزيران.. حوالي 50% منها داخل العراق موسم التمور على موعد مع الهلاك.. انتشار آفة "عنكبوت الغبار" في مزارع ديالى جامعة بغداد تسجل براءة اختراع في مجال اختصاص جراحة الدماغ الدولار "ينفلت" في البورصات والارتفاع غير معلوم الحد.. ماذا يجري في السوق التربية تحدد ضوابط قبول ونقل التلاميذ بين المدارس في المحافظة الواحدة وبين المحافظات المشاريع المرورية تهدد المعالم الأثرية في بغداد وشكوى من قلة التخصيصات الدولار يحلق في أسواق بغداد متجاوزا حاجز الـ 148 بعد وصول الخطة.. مجلس البصرة ينوي "تغيير خارطة" مشاريع المحافظة هذا العام- عاجل توصية نيابية بمنح طلبة الثالث المتوسط فرصة أداء امتحانات الدور الثاني بكل الدروس الدولار يواصل الارتفاع في الاسواق المحلية تحذير تركماني.. العراق أمام فوضى جديدة وأعمال تخريبية بسبب حزب العمال مواطن يعثر على ماله المفقود وسط مستودع للنفايات في اربيل رغم اغلاق المخيمات.. مدارس العرب في كردستان "مستمرة" ولكن من يديرها 20 منتجا بالمرحلة الاولى.. خطة ثلاثية لإحياء مصانع ميسان جنايات النجف: السجن المؤبد بحق تاجري مخدرات رغم اغلاق المخيمات.. مدارس العرب في كردستان "مستمرة" ولكن من يديرها- عاجل الذهب يستقر مع ترقب المستثمرين كلمة رئيس الاحتياطي الفيدرالي استقرار أسعار النفط قرب اعلى مستوى في شهرين جنايات صلاح الدين: السجن المؤبد بحق "مسؤول التوبة" لدى داعش الإرهابي الاستخبارات والأمن تطيح بعنصر إرهابي شمال بغداد اغلاق 6 شركات للسفر ومكاتب دلالية مخالفة في بغداد انفجار مولدة بمنطقة علي الصالح في بغداد حوض علوي فوق العراق مع حلول تموز.. انخفاض الحرارة وامطار على الخارطة مصدر يكشف لـ"بغداد اليوم" نتائج الضربة الجوية في حاوي العظيم الداخلية تتسلم مهام تأمين مطار بغداد الدولي