العراق في الوثائق البريطانية

 

عبد الحسين شعبان

 

       كشفت وثائق مجلس الوزراء البريطاني التي أُفرج عنها في شباط / فبراير 2023 أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ورئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج دبليو بوش كانا متأكّدين من عدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو أية قدرة في الحصول عليها أو على صواريخ بعيدة المدى، وذلك قبل غزوه بعامين على الأقل. والوثيقة خبر كما يُقال في البحث الأكاديمي لأنها تُغني عن الكثير من الآراء والتقديرات، فما بالك حين تصدر من أعلى المستويات، وتُنشر لأول مرّة بصورة رسمية.

       جدير بالذكر أن محاولات العراق امتلاك أسلحة متطوّرة توقّفت بعد حرب قوات التحالف الدولي ضدّه ) 17 كانون الثاني / يناير 1991( والتي سُمّيت حينها “عاصفة الصحراء” إثر غزو قواته الكويت في 2 آب / أغسطس 1990 وفرض عقوبات دولية عليه. وكان مسلسل العقوبات قد بدأ ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بعد رفضه الانسحاب من الكويت بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 661  في 6 آب / أغسطس 1990  وتُوّج بالقرار رقم 687  في 3 نيسان / أبريل 1991 الذي تضمّن شروطًا والتزامات ثقيلة تتعلّق بمستقبله كدولة وشعب، الأمر الذي ترك تأثيره السلبي الخطير على تنميته وتطوّره، لا سيّما باستمرار الحصار الدولي طيلة ما يزيد عن 12 عامًا تمهيدًا لغزوه واحتلاله العام 2003.

ولم تعبأ الولايات المتحدة وبريطانيا ومعسكر الحلفاء لغزو العراق باحتجاجات عشرات العواصم ومئات المدن الأوروبية وتحذيرات منظمات دولية حقوقية وإنسانية من الحرب ومخاطرها وامتداداتها، ناهيك عن افتقادها المسوّغ القانوني الدولي ومخالفتها ميثاق الأمم المتحدة وما يسمّى بالشرعية الدولية. وقد أدّت الحرب التي شنّتها واشنطن ولندن ليلة 19 – 20 آذار / مارس 2003 إلى تدمير بنيته التحتيّة وهياكله الارتكازية ومرافقه الحيويّة وإعادته حسب جيمس بيكر إلى “العصر الحجري”، مثلما سبّبت في إزهاق أرواح مئات الآلاف من البشر، فضلًا عن نزوح ولجوء ملايين العراقيين بسبب الانفجار الطائفي الذي غذّته إدارة بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، والذي أسس “مجلس الحكم الانتقالي” على أساس التقسيم الطائفي – الإثني وفقًا لنظام محاصصة قائم على الزبائنية السياسية والحصول على المغانم، وما يزال هذا النظام مستمرًا.

 واعترفت إدارة الرئيس بوش بعد عامين من احتلالها العراق وتمشيطه طولًا وعرضًا أنه لا دليل على وجود أسلحة دمار شامل، بما فيها غاز الأنثراكس الذي أُثيرت حوله ضجّة صاخبة، وانبرت بعض الأقلام “العراقية” الممالئة للغرب لتهويل الفكرة وخلق الرعب بشأنها، بل أطلقت العنان لمخيّلاتها المريضة لتزعم أن العراق بإمكانه خلال 45 دقيقة تدمير مدن أو حتى دول بكاملها؛ إلى غير ذلك مما كانت تروّج له أساليب الدعاية السوداء والحرب النفسية ومفردات القوّة الناعمة التي تغلغلت للتأثير على العقول وعلى قرارات بعض الدول والحكومات بالانسجام مع مصالحها.

       وكانت لجنة تشيلكوت (تموز / يوليو 2016) تناولت في تقرير مفصّل الدور البريطاني، متحدّثة عن المعلومات الاستخباراتية “المفبركة” و”الكاذبة”، إضافة إلى إدانة الأساس القانوني الذي استندت إليه في شنّ الحرب، لاسيّما برفض الأمم المتحدة تفويض واشنطن وحلفائها بالقرار 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني / نوفمبر 2002. علمًا بأن بلير. 

وإن كان قد دافع عن الغزو في حينها، لكنه بعد الأهوال التي سبّبتها وافتضاح حجم التضليل فيها، عبّر عن شعوره “بقدر من الأسى والندم والاعتذار” مشيرًا إلى الأخطاء التي ارتُكبت في الإعداد لها، “تسبّبت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني”.

       وبرّرت إدارة بلير أنه لولا “سياسة الاحتواء التي اتبعتها مع واشنطن”  لكان من المرجّح “امتلاك العراق صاروخًا بعيد المدى قادرًا على الوصول إلى بريطانيا وأوروبا، وكذلك رؤوسًا كيماوية وبيولوجية ونووية”. وهو ما حاولت إقناع باريس به للانضمام إلى الحملة ضدّ العراق، واقترحت مثل هذا الأمر على عدد من الدول العربية لمساندتها لتشكيل “إجماع دولي”. وكان كولن باول وزير الخارجية الأمريكي قد روّج مثل هذه المزاعم أيضًا أمام مجلس الأمن الدولي في 5 شباط / فبراير 2003، وعرض أنبوبًا اعتبره دليلًا لا يمكن دحضه لإقناع المجتمع الدولي على امتلاك العراق أسلحة بيولوجية.

       اليوم وبعد 20 عامًا تكشف لنا وثائق مجلس الوزراء البريطاني التي نشرتها اﻟ BBC  عن فريّة تهديد العراق للسلم في الشرق الأوسط والعالم، خصوصًا وأن المنطقة أصبحت بعد الاحتلال أكثر اضطرابًا وعنفًا وإرهابًا، وأن الحصار الدولي كان تشريعًا للقسوة عن سابق إصرار، وهو جريمة دولية ما تزال تأثيراتها ماثلة للعيان باستمرار المأساة العراقية وامتداداتها عربيًا، الأمر الذي يضع مسؤوليات على مرتكبيها، ليس للاعتذار فحسب، بل للتعويض أيضًا عمّا لحق بالعراق من أضرار مادية ومعنوية طالت جيلين عراقيين.

*نشرت في جريدتي الخليج (الإماراتية) والزمان (العراقية) في 1 آذار / مارس 2023.

 

المصدر haramoon – منصة حرمون :

اترك تعليقا
آخر الأخبار
الخيار الأصعب.. تحذيرات من خطورة تعويم الدينار العراقي دون تحقيق "شرط مهم" النفط: افتتاح منفذ جديد للغاز السائل الخاص بالمركبات في بغداد بـ 4 اهداف واستراتيجية انفتاح جديدة.. صولة أمنية على الحدود بين ديالى وصلاح الدين العميري: يجب أن يكون مجلس النواب معبرا بشكل حقيقي عن إرادة الشعب تحذير من البنك المركزي عن "اساءة استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني" مشاجرة "أولاد عم" تتحول الى فاجعة والشرطة تعتقل قاتلين اثنين شرقي بغداد مجلس القضاء يقرر استخدام تقنية فيديو الكونفراس في دوائر الإصلاح مجلس القضاء يقر استخدام تقنية "فيديو الكونفراس" بتدوين اقوال النزلاء في دوائر الإصلاح تحذير من البنك المركزي عن "إساءة استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني" قتلى وجرحى في مواجهات مسلحة بين الشرطة ومتهم مطلوب في السليمانية تدمير أكثر من 12 ألف لغم ومقذوف يعود لــ "حرب الثمانين" في أربيل البنك المركزي يحذر من مخاطر إساءة استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني بالوثيقة.. محافظ ديالى مثنى التميمي يمنح نفسه إجازة لـ15 يوما التربية تحدد آلية تنقلات التلاميذ والطلبة في ممثليات كردستان.. وثيقة مجلس الوزراء يعقد جلسة "تعويضية" برئاسة السوداني وزير العدل يوجه باخلاء ثلاثة سجون في بغداد وإعادة توزيع النزلاء رغم ميل المجتمع للمدنية.. النزاعات العشائرية تعود للواجهة في إقليم كردستان وزير العدل يوجه بالإسراع في استكمال متطلبات اخلاء 3 سجون في بغداد وزير العدل يوجه باخلاء ثلاثة سجون في بغداد برلماني يتحدث عن "تسونامي التسول متعدد الجنسيات" ويحدد نقطة عبورهم للعراق بعد دقائق من مباشرته بالمنصب.. محافظ ديالى يمنح نفسه اجازة لـ 15 يوما (وثيقة) التميمي يباشر أعماله بمهام محافظ ديالى لحين تشكيل الحكومة الجديدة.. وثيقة الداخلية توجز تفاصيل "عملية البتاوين" وتعلن ضبط شركات وهمية وشبكات للدعارة بعد استغاثة العائلات.. ماذا حصل في "كورنيش ديالى" الإطاحة بإرهابيين اثنين من داعش جنوبي بغداد