د. عصام نعمان
مع إستفحال الأزمة السياسية وتفاقم الإنهيار الإقتصادي والإجتماعي والضائقة المعيشية ، تجدّدت الدعوات الى عقد طاولةٍ للحوار الوطني طلباً للتوافق على مخرج او تسوية. دعاةُ الحوار فئتان : مواطنون مخلصون من ذوي النيات الطيبة ، وسياسيون محترفون من اهل السلطة او من متعطشين ليصبحوا من أهلها .
ما يتوخاه المواطنون المخلصون من الحوار التوصّلُ الى حلٍّ للأزمة او بابٍ للخروج منها . ما يسعى اليه السياسيون المحترفون هو التوصّل الى مخرج منها او تسويةٍ بين أهل السلطة أنفسهم.
لا المواطنون المخلصون نجحوا في التوصّل الى حل للأزمة ولا السياسيون تمكّنوا من التوصّل الى تسويةٍ مقبولةٍ وقابلة للصمود.
المواطنون المخلصون ، لا سيما أهل الرأي منهم ، عالجوا إخفاقهم بمعاودة الدعوة مراراً وتكراراً الى الحوار الوطني بين اهل السلطة المتخاصمين والمتنافسين. السياسيون المحترفون ضاعفوا فشلهم بالدعوة الى التوافق على صيغة لتقاسم السلطة والنفوذ والمكاسب بين أقطاب المنظومة الحاكمة. هكذا أدت كل صيغ “التوافق الوطني” الى تدويمٍ لسلطةِ المنظومة الحاكمة في ظلِّ نظام المحاصصة الطوائفي الذي ما زال يستبّد باللبنانيين مذّ إعلان “دولة لبنان الكبير” سنة 1920 ولغاية إنتقال السلطة ، ظاهراً ، الى اعيان البلاد من أصدقاء دول الغرب سنة 1943 وصولاً الى الوقت الحاضر.
إزاء الإضطرابات السياسية المتواصلة والحروب الأهلية الدورية وتعطيل ما تبقّى من سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية وصولاً الى ما يمكن تسميتها حال اللاقرار على جميع المستويات ، إرتقى مطلبُ الحل الوطني او التسوية التاريخية الى مرتبة أحكام الضرورة التي تتطلّب إلتزام القواعد والإصلاحات الجذرية الآتية :
اولاً : ضرورةُ تجاوز نظام المحاصصة الطوائفي المتداعي ومنظومته الحاكمة الفاسدة سلمياً وتدريجياً وديمقراطياً لأن استخدام العنف في بلدٍ تعددي يؤدي دائماً الى اندلاع حرب اهلية.
ثانياً : الإقلاعُ عن إعتماد طاولات الحوار التي يقوم اهل السلطة الفاسدون بإختيار أطرافها بغية إفراز تسوياتٍ مطاطة ومجوّفة غايتها تطويل عمر المنظومة الحاكمة.
ثالثاً : ضرورةُ مسارعة القوى الوطنية الحيّة، أفراداً وجماعات ، بمختلف ألوانها الإصلاحية والنهضوية ، الى التوافق على تأسيس جبهة او تحالف او ، أقلّه ، صيغة تكاتف وطني ببرنامج سياسي وإقتصادي وإجتماعي يتضمن أولويات للمرحلة الراهنة ، وأهداف للمستقبل المنظور ، والمبادرة الى التحاور والتفاهم مع القوى القريبة في طروحاتها من أولويات برنامجها السياسي والإقتصادي والإجتماعي بغية بناء تحالف عريض وأشمل للقوى الوطنية العاملة للإصلاح والتغيير ، على ان تكون قاعدة حركته السياسية والنقابية المطالبة بتنفيذ أحكام الدستور بعدما جرى تعديله في 21 ايلول/سبتمبر1990 بحيث تضمّن معظم الإصلاحات التي نصّت عليها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف سنة 1989 الأمر الذي جعل الدستور المعدّل الوثيقة الإصلاحية الوحيدة التي تحظى بأوسع توافق وطني في البلاد.
رابعاً : وجوبُ مبادرة التحالف (او التكاتف) العريض للقوى الوطنية النهضوية الى التحاور والتفاهم مع حزب الله لكونه أقوى الأحزاب السياسية شعبيةً وفعاليةً وسط تعددية الأحزاب اللبنانية الأخرى الأدنى نفوذاً وتأثيراً وذلك بغية التوافق على صيغة للتعاون السياسي والميداني في سياق النضال السلمي الديمقراطي لتجاوز نظام المحاصصة الطوائفي وفق الإصلاحات التي كرّسها الدستور المعدّل، ولمواجهة تداعيات الإنهيار السياسي والإقتصادي والإجتماعي الذي يعصف بالبلاد كياناً وشعباً ودولة.
خامساً : إلتزامُ قوى التحالف (او التكاتف) العريض للقوى النهضوية في حوارها مع حزب الله وجوب دعوته بلا إبطاء الى ان يُقرن اولويته الإستراتيجية بمقاومة الكيان الصهيوني بأولويتين أخريين لا تقلّ عنها أهميةً وإلحاحاً :
– الاولى ، تطوير معادلة “الشعب والجيش والمقاومة” الى استراتيجية متكاملة للدفاع الوطني تكفل بناء جيش وطني قوي عدداً وعدّة وتسليحاً من جميع الجهات المتاحة ، وتشريع نظام للتكامل بين الجيش والمقاومة على الصعيدين القيادي والعملياتي يدعم وحدة الدولة وسيادتها.
– الثانية ، وضع خطة متكاملة لتجاوز نظام المحاصصة الطوائفي سلمياً وتدريجياً وديمقراطياً بمسارِ نضالٍ شعبي يقود الى بناء دولة المواطنة المدنية.
سادساً : وجوبُ أن تستلهم القوى الوطنية النهضوية وحزب الله في إطار صيغة التعاون السياسي والميداني بينهما الاسس والآليات المتفق عليها بينهما لتجاوز نظام المحاصصة الطوائفي ، ولبناء دولة المواطنة المدنية ، لا سيما في المسائل المتعلقة بالإنتخابات ، والمشاركة في الحكم ، ومواجهة الضائقة المعيشية ، والتدقيق الجنائي في الاموال العامة المنهوبة ، وكارثة تدمير مرفأ بيروت ، وإستقلالية السلطة القضائية ، والتعيينات في المراكز الادارية الرئيسية.
سابعاً : الدعوةُ الى إنتخاب مجلس تأسيسي من قبل الشعب على مستوى الجمهورية كلها بإستقلالٍ عن الدولة ، مؤلّف من مئة عضو ، بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين دونما توزيع مذهبي ، وعلى اساس صوت واحد لكل ناخب او ناخبة بلغا سن الثامنة عشرة ، ليتولى المهام الآتية :
(أ) إقتراح الأسس والآليات المتوجبة لتنفيذ أحكام الدستور ، لاسيما تلك المتعلقة بالإصلاحات التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني في الطائف .
(ب) إجراء حوار حول الأسس المتوجبة لقانون ديمقراطي للإنتخاب يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته ، وإعداد مشروع القانون اللازم .
(جـ) متابعة ومراقبة أداء كلٍّ من مجلس النواب والحكومة وتقييمه ونقده وإقتراح التصويبات والبدائل المناسبة وإعلانها على الرأي العام وذلك على نحوٍ يتيح للشعب إجراء مقارنة بين اداء كلٍّ من مجلس النواب والحكومة من جهة والمجلس التأسيسي من جهة اخرى في سياق عملية هادفة الى تعزيز التجربة الديمقراطية والإرتقاء بها.
(د) درس وإقرار الآليات والتدابير المتعلّقة بتنفيذ الأهداف البرنامجية للقوى الوطنية النهضوية وحلفائها ، وإعداد المشروعات والإصلاحات التي يقترحها المجلس التأسيسي ، والعمل على إعتمادها بالضغط الشعبي السلمي .
ألا تستحق هذه المقاربة الإصلاحية الجذرية بعض الإهتمام والتفكير والتدبير؟
إضغط هنا للأطلاع على مصدر الخبر في haramoon – مجلة حرمون