مصابيح الدجى .. جمال الدين محمد

 مصابيح الدجى ….. جمال الدين محمد 

بقلم:  عبد الإله عبد القادر عبد الله الجنيد (صاحب الروضة )

إلى الجنوب الغربي من جبل (صَبِرْ) في محافظة (تَعِزْ) تقع أم القرى (الصراري) والقرى التابعة لها ، إذْ تراها تقفُ شامخةً تُلامسُ السحاب ، وتطاول النجوم ، وتعانق الشمس والقمر ، وهي جنةٌ من جِنان اللَّهِ في الأرض ، بما حباها الله من العيون الجارية ، والأرض الخصبة.
والتي صارت مهجراً لسيدي جمال الدين -قدَّس الله سره- ونقطة الوصول التي اقتضتها مشيئة الله وفقاً لخطة الله المحكمة في تحديد مسارات أنبيائه ورسله وأوليائه من ورثة الكتاب السابقين بالخيرات ، والأماكن التي بات مقرراً لأوليائه الانتقال إليها ؛ لتكون مكاناً ومركزاً للإشعاع النوراني المعرفي تنطلق منها حركة التنوير والهداية للعباد التي تُعَدُّ من مسؤوليات أولياء الله من ورثة الكتاب وعترة رسول الله -صلوات الله عليه وآله- بعد رسله وأنبيائه صلوات الله عليهم أجمعين ..
يحكى أنه -قدَّس الله سره- قبيل اختياره منطقة (الصراري) سكناً له ، ظل فترةً من الزمن يتعبد الله في منطقة اسمها (نمران) إلى جوار نبع ماء عجيب يخرج من صخرةٍ تنبع منها عينان نضاحتان ، إحداهما باردة والأخرى ساخنة ، ولم يبرح من ذلك المكان حتى ناداه منادٍ هاتفاً أنْ اتخذ (الصراري) سكناً لك ، فكان ذلك كذلك ..
الصراري التي إذا ما عزمت زيارتها ودخولها ، ورميت بنظرك إلى جامع سيدي (جمال الدين) ذي القباب الأربع ، وهيكله الفريد الذي يعود بناؤه إلى أوائل القرن الحادي عشر الهجري ، فسوف يغمرك عبق المكان ، و يمتلئ فؤادك بروحانية عجيبة ، ورغماً عنك سيشدك الجامع وصاحب المقام الشريف ، فتجد نفسك تهفو إليه ، وقدميك تهرولان نحوه ، وأنت تتمثل قول سيدي صارم الدين – إبراهيم بن عبدالرحمن الجنيد بن محمد جمال الدين بن عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله الحضرمي إذ يقول :
ياشوقنا لحضرة الجمالِ
نشرب كؤوس القربِ والوصالِ
الليل جد يا ساكن الصراري
واحمِ حِمَا الخِلَّانِ والاهالي
هات يا جنيد يا سيد الرجالٍ
واسْقِ ضيوفك صافي الزلالِ
يا بشر يا من مسكنه شمالي
يا ساكن الغابات والرمالِ
يامن سكن في النقل العوالي
ياحضرمي ياشامخ الجبالِ ______
وجزى الله السيد الشيخ / سعيد عبدالغني الجنيد لما يقوم به من البحث عن بقية قصائد سيدي صارم الدين إبراهيم بن عبدالرحمن الجنيد وبقية هذه القصيدة ..

ثم تدخل إلى الجامع الشريف وأنت مغمور بالروحانية ، فتصلِّي ركعتين لله تعالى بكل خشوع وإنابة ، ثم تقوم وتقف أمام صاحب المقام الشريف لتقرأ الفاتحة على روحه الطاهرة مبتهلاً بالدعاء إلى الله الأعلى
لقضاء حوائجك ، حينها ستشعر بطمأنينة وسعادة تجعلانك لا ترغب في مغادرة هذا المكان .
إنه الجذب والمدد النوراني الربَّاني المحمدي العلوي الحسيني الجمالي ، ليذكرك بقول المولى سبحانه وتعالى : [ وجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم ] ..
فيا ترى من صاحب هذا المقام العظيم الذي يأسرك بمحبته والشوق إليه والبقاء بين يديه ؟!
إنه سيدي الإمام الفقيه والعالم الكبير والولي الورع الزاهد ، وقطب التصوف القائم في أهل الزمان ، ومفتاح الوصل والوصال ، والمعلم البارع قهرمان البيان وترجمان القرآن ، والجد الجامع لآل الجنيد في صبر وقدس من محافظة تعز ، والحشاء وقعطبة والمدينة في محافظة الضالع ، سيدي
(جمال الدين محمد بن عبدالرحمن ساكن النقل بن أحمد بن عبدالله الحضرمي) ، من إليه تُنْسَبُ الكرامات ، وله أشرف المقامات ؛ لما قام به وأفنى حياته في التعليم وهداية العباد ، والقضاء بين الناس ، والوعظ والإرشاد ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والإصلاح بين الناس .. وقد بلغ من العلم والفصاحة والبلاغة وفصل الخطاب مبلغاً عظيماً حتى ذاع صيته بين الناس ، وأدرك الولاة مدى حاجتهم لعلم وحكمة هذا الرجل العظيم ، حتى أولوه عنايتهم وكلَّفوه بالقضاء بين الناس والوعظ والإرشاد في قضاء الحجرية ، وقدس ، والضالع ، كما نصَّتْ على ذلك الأوامر الإمامية وأوامر الولاة خلال الفترة من بداية القرن الحادي عشر الهجري حتى منتصفه ..
وفي أواخر أيامه عاد إلى الصراري وظل فيها حتى
وفاته وانتقاله إلى الرفيق الأعلى ، فقبر في القرية ، وأقام أبناؤه على ضريحه الشريف جامعاً سُمَّيَ ب (جامع جمال الدين)
ولكونه عاش عظيماً جليل القدر ، فقد حظي بمحبة الناس وإجلالهم وتقديرهم له ، فاستحق هذا الإجلال ، وصار له ذلك الجماعي والتدخيلة التي تقام في ليلة النصف من شعبان من كل عام ، وصارت الصراري محطَّ رحِال العارفين ،
ومهوى أفئدة العاشقين لله تعالى ، وأصبحت مركزاً تنويرياً للقاصدين ..
لم يتوقف عطاء سيدنا جمال الدين -قدَّس الله سره- بل ترك لنا إرثاً من المخطوطات لاتزال حبيسة المكتبات الخاصة ، ونأمل سرعة تسجيلها لدى دار المخطوطات وتسليمها للمقتدرين على تحقيقها ومراجعتها وطباعتها ؛ لتصل إلى كل الناس ..
أما فيما قام به تجاه أولاده حرص – قدَّس الله سره – كل الحرص على تنشئة أبنائه والعناية بهم ؛ ليرثوه في القيام بين الناس بالحق ونشر الهدى والدين القيم ، وإخراج الناس من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم بإذن الله تعالى ، وهذا ما قام به أبناؤه حيث نهجوا نهجه وساروا بسيرته واقتفوا أثره ، فكانوا خير خلف لخير سلف ..
ثم انتقل سيدي عبدالرحمن الجنيد إلى النجادة في جبل صبر ؛ ليقوم بما توجَّب عليه القيام به ..
كما انتقل سيدي بشر النور إلى بلاد الصرمين وخدير ، وانتقل سيدي صفي الدين أحمد إلى قَدَس والحشاء ؛ للقيام بدور الهداية والعدل بين الناس ، فاستشعر إخوانه – سيدي أحمد بن عبدالرحمن المُلقَّب ب (السيد أحمد وجيه الدين) ، وسيدي عبدالله بن عبدالرحمن المُلقَّب ب (فخر الدين) – هذه المهمة على عواتقهم فأسهموا بدورهم في نشر هدى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..
فرحمهم الله جميعاً ، وأمدنا بالنور ؛ لنسير على دربهم ، ونقتفي آثارهم .
والحمد لله رب العالمين
◇◇◇◇◇◇◇◇◇

المصدر مقالات وبحوث – جريدة جدار الالكترونية

اترك تعليقا
آخر الأخبار
النيران نزلت من اعلى الى اسفل.. انقاذ 60 نزيلا من حريق فندق بكربلاء ارتفاع معدل القتل في العراق خلال حزيران 50% مقارنة بالأشهر السابقة آب "غير لهاب" هذا العام.. ودرجات ثلاثينية في 4 محافظات غدا هل أرقام "المغادرين والقادمين" تنفي حقيقة اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس" طلب مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس" في 2024.. لماذا جواز السفر العراقي في أحسن حالاته منذ 9 سنوات اخر تحديث لأسعار صرف الدولار في العراق اعتقال 9 ارهابيين في 4 محافظات في 2024.. لماذا جواز السفر العراقي في أحسن حالاته منذ 9 سنوات-عاجل القبض على متهم بقتل واصابة 8 اشخاص في الانبار أم وابنتها وثالث "هارب مجهول" يقتلون ضيفهم بسلاح أبيض في السليمانية البدء بجمع الـ50 الفا.. شرطة الرصافة تقبض على 33 باكستانيا بدون تأشيرة في بغداد الإطاحة بـ 5 اشخاص خلال مداهمة شقق مشبوهة شرقي بغداد حملة امنية تنتهي بالقبض على 24 متسولا ومخالفا لشروط الإقامة في بغداد "عين الأسد" تتخذ 3 إجراءات بعد قصفها يوم امس.. مظلة جوية بعمق 10كم استراتيجية أمنية جديدة.. "وكر العيط" اماط اللثام عن "خطر محدق" يختبئ على ضفاف نهر ديالى الأطماع بنينوى وكركوك "اضغاث أحلام".. مغامرة اجتياح شمال العراق "فاتورتها باهظة" على تركيا من تلاعب بإعدادات الموازنة.. إضافة 15 ترليون دينار لمصلحة الشعب ام لـ"جيوب الفاسدين" الأمن الوطني يفكك شبكة تجارة دولية ويضبط 200 ألف حبة من "الكبتاجون" في بغداد استراتيجية أمنية جديدة.. "وكر العيط" اماط اللثام عن "خطر محدق" يختبئ على ضفاف نهر ديالى - عاجل إجرام بغداد تلقي القبض على متهمين اثنين بسرقة الحقائب النسائية الأطماع بنينوى وكركوك "اضغاث أحلام".. مغامرة اجتياح شمال العراق "فاتورتها باهظة" على تركيا - عاجل وزير النفط يفتتح جسر وبوابة بحقل مجنون في البصرة استقرار معدلات الحرارة بأجواء العراق "اربعينية" مع تصاعد للغبار