المقاصدُ الضائعة..في الأغلاطِ الشائعة
” تَعَلَّموا العربيَّةَ ،وعلِّموها الناسَ ” ـ حديثٌ شريف
إعداد: محمد الجاسم
تزخرُ لغتُنا العربيةُ المعاصرة بكمٍّ هائلٍ من كلماتٍ دخيلةٍ أو مغلوطةٍ أو محرَّفة ،وبمرورِ الزمنِ والتداولِ اليوميِّ على الألسنِ وفي الكتب الرسمية والمخاطَبات العامة ووسائل الإعلام والصِّحافة والرسائل الجامعية ومنجزات المبدعين الأدبية ويافطات أسماء الدوائر والمحالّ التجارية وعيادات الأطباء وغيرها، قد تسللت إلى لغتنا خلسة، حتى أصبحت من فرط تناقلها واستخدامها شائعةً ومقبولةً لدى القارئ والسامع ،ورسخت في الأذهان وانطلت على المتداولين ،إلا لذوي التخصص،فأمست المقاصد ضائعة في خضمِّ الأغلاط الشائعة.
لذلك أعددتُ لكم أحبتي ـ لمناسبة شهر رمضان المبارك ـ ثلاثينَ حلقةً (رابعة ـ جديدة) من سلسلة تصويباتٍ منتخبة،إستكمالاً لعمودي اللغوي الذي واظبت على تحريره مدةً من الزمن في صحيفة (المصور العربي) ،التي أصدرَتْها جمعيةُ المصورين العراقيين في بغداد أواسطَ ونهايةَ التسعينات من القرن العشرين تحت عنوان (إضاءةٌ في التراث).
رمضان العام 1444الهجري
(95)
الفرق بين ( ذاتُ الشيءِ)..و.. (الشيءُ ذاتُهُ)
لايمرُّ يومٌ إلا ونسمع من مقدمي برامج ومحاورين في الفضائيات،عباراتٍ مثلَ (نفس الشيء)و(ذات السؤال)و(ذات الموضوع)و(في ذات المساحة)،وَهُمْ ـ لاشكَّ ـ يريدون التوكيد في ذلك،وهذه عبارات مجانبة للصواب في هذا التأويل.
يُعَرَّفُ التوكيد بأنه كل كلمة ثانية، تقرر وتؤكد ما قبلها، لذا يُطْلَقُ عليه أنه أحد التوابع، أي أنه يتبع الكلمة التي تسبقه،وعادة ماتكون اسمًا.وفي توضيح بسيط للقارئ الكريم،نسوق مثالًا بسيطًا:
إذا قال أحدنا أنه قرأ كتاب (شذا العَرْف في فَنِّ الصَّرْف)،وأردت أنا أن أؤكد له أنني قرأت هذا الكتاب أيضاً،فيلزمني أن أقول : وقرأت أنا كتاب (شذا العَرْف في فَنِّ الصَّرْف) ذاتَهُ..أو عينَهُ..أو نفسَهُ.وبذلك رفعت توهم ما يمكن أن يُضاف إلى المتبوع المُؤكّد (الكتاب) بالتوكيد(ذاته،عينه،نفسه).
وكذا نقول: حضر الأستاذ أحمدُ نفسُهُ ، وقابلتُ وزيرَ الثقافةِ ذاتَهُ.
وتلحق بهذا البحث البسيط، كلمات التوكيد (كُلّ)و(جُلّ)و(جميع)و(كِلا)و(كِلتا) ،وسواها، المختصة بكل ما هو مكوَّنٍ من أجزاء ،في الجمع والمثنى، كقولنا:
حضر التلاميذُ كلُّهم،سافرت العائلةُ جميعُها،زارني صديقاي كلاهما، أكرمتُ أُخْتَيَّ كلتيهما.
لقد لفتنا انتباه القارئ اللبيب الى ضرورة أن يأتي التوكيد (تابعًا) للمؤكد(المتبوع)،وهذا ضمن عنوان التوكيد المعنوي،أما التوكيد اللفظي فليس هنا مجال بحثه.
قال تعالى:
” فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ” الحِجرـ 30
وقال حسان بن ثابت:
” لِساني وَسَيفي صارِمانِ كِلاهُما … ويبلغُ ما لا يبلغُ السيفُ مذودي ”
وَرُبَّ قَوْل.. أَنْفَذُ مِنْ صَوْل ..
محمد الجاسم
المصدر مقالات وبحوث – جريدة جدار الالكترونية