السيد السيستاني رفض لقاءه.. تفاصيل حكم بريمر بالعراق: ارتكبت خطأين وقرار الغزو صائب

أجرت صحيفة الشرق الأوسط، اليوم الاحد، حواراً صحفياً مع حاكم العراق السابق، الأمريكي بول بريمر، فيما أكد الأخير صوابية قرار غزو العراق وتغيير الحكم.

وذكرت الصحيفة، أنها: “عندما هممتُ بإجراء هذا الحوار مع السفير بول بريمر، أخبرته أن صديقاً عراقياً أميركياً همس في أذني بأن «هذا ليس مجرد سفير، إنما هو رئيس. لقد حَكَم العراق لأكثر من عام”!.

وأضافت: “بصفته رئيساً لـ(سلطة الائتلاف المؤقتة) بعد حرب العراق التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش ليل 19 مارس (آذار) 2003، بهدف إطاحة حكم الرئيس صدام حسين في العراق، جلس (الدبلوماسي الكيسنجري) في البيت الأبيض وحيداً، وجهاً لوجه مع الرئيس الذي كلفه مهمتين جليلتين: تشغيل عجلة الاقتصاد، وتشكيل مسار جديد للحكم في العراق. ذهب إلى هناك متسلحاً بهذا التفويض، ومستفيداً مما تعلمه من وزير الخارجية سابقاً، هنري كيسنجر، ومِن عمله في القطاع الخاص بعدما تخرج في جامعتي يال وهارفرد بالولايات المتحدة و(معهد الدراسات السياسية) في فرنسا”.

وأشارت الشرق الأوسط الى، ان “بول بريمر يحمل أسراراً كثيرة يتجنب الخوض فيها. لم يُشر كثيراً إلى وثائق الدولة العراقية وحزب البعث هناك، بعد انهيار حكم صدام تماماً في 9 (نيسان) 2003، أبلغني مازحاً أنه بعدما (أنجز) مهمته التي بدأت في 9 (أيار) 2003، وانتهت في 28 (حزيران) 2004، دفع للمحامين الأميركيين (مبالغ أكبر من تلك التي استحصلت عليها من عملي في العراق). وكانت تلك فرصة لتبادل قصة طريفة مع المندوب الألماني السابق لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسيغن، الذي كان مستشاراً للأمن القومي في عهد المستشارة أنجيلا ميركل، ويعمل حالياً رئيساً لـ ««مؤتمر ميونيخ للأمن»، حين اقترحت عليه مازحاً أن يفشي أسراره كي أنشرها. قلتُ: «بذلك تطير شهرة كل منا… ولكن بطريقتين مختلفتين”..

وأكدت الصحيفة، أن “بريمر كشف تفاصيل بالغة الأهمية في الحوار الطويل، مصراً على (صوابية) قرار الحرب، رغم الإخفاق الأميركي في الحصول على تفويض بذلك من مجلس الأمن”، اعتبر أن “مصالح الولايات المتحدة تتقدم على واجباتها في القانون الدولي، مقارناً المعركة مع حزب البعث بقيادة صدام بتلك التي أدت إلى هزيمة الحزب النازي الألماني بزعامة هتلر. وأكد أن هذا السبب الذي دفعه إلى إصداره مرسوميه الشهيرين؛ الأول خُصِص لـ(تفكيك البعث)، والثاني ركز على (حل) الجيش العراقي، معترفاً بأنه ارتكب (خطأين) فيهما، ضمن المهمة التي أصدر خلالها مائة من المراسيم (الأوامر) ليعكس بها استراتيجية فريق الرئيس بوش الابن، ومن حوله مهندسو الحقبة التي «أنهت حكماً للسنَّة استمر ألف عام»، وأبرزهم نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ومساعده آنذاك بول وولفوفيتز وآخرون، علماً بأن وزير الخارجية كولن باول ومستشارة الأمن القومي، كوندوليزا رايس، اضطلعا بدورين مختلفين أيضاً في العلاقة مع (نافذة واشنطن) على المعارضة العراقية؛ من جلال طالباني ومسعود بارزاني إلى أحمد الجلبي وإياد علاوي، ومن عبد العزير الحكيم ومحمد بحر العلوم إلى غازي الياور وعدنان الباجه جي، وغيرهم من الشخصيات العراقية المؤثرة التي لا تزال حاضرة في العراق بـ”صورته الأميركية”.

شخص واحد فقط، وهو الأكثر أهمية وتأثيراً في العراق منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم، رفض أن يستقبل بريمر أو يلتقيه، وهو آية الله علي السيستاني.

نص الحوار مع بريمر:

الآن، مع حلول الذكرى العشرين للحرب في العراق، كيف تنظر إلى تلك اللحظة؟

– كما تعلم، يتحدث كثيرون عن النظر إلى الوراء 20 عاماً؛ لذلك نظرتُ للخلف بالفعل. النقطة الأساسية التي خلصت إليها أن ذلك كان القرار الصائب من الرئيس بوش؛ بأن يتحرك ليطيح صدام حسين. النقطة الثانية أنني أعتقد أنه رغم الوضع الصعب الذي يجد العراقيون أنفسهم فيه اليوم، وبالنظر إلى الأمر من منظور نسبي، فإن العراق بعد 20 عاماً الآن أفضل حالاً برحيل صدام.

ـ كان الثمن الذي تكبده العراقيون فادحاً للغاية، وكذلك الأميركيون!
– نعم، هذا صحيح، لكن الفوائد كانت ضخمة للغاية أيضاً للعراقيين؛ فبمقدورهم الآن اختيار حكومتهم. نحن في الولايات المتحدة لم نعد نواجه عودة صدام حسين إلى مساعيه من أجل الحصول على أسلحة دمار شامل، حسبما كان يخطط. ونعلم من الوثائق التي استولينا عليها بعد إطاحته أنه كان يخطط لاستئناف جهوده لامتلاك أسلحة دمار شامل.

ـ وهل المنطقة أصبحت أفضل حالاً؟ هل تعتقد ذلك؟
– في الواقع، المنطقة أفضل حالاً، لأنه لو بقي صدام في الحكم، لكانت المنطقة تواجه اليوم عراقاً مسلحاً نووياً يقف أمام إيران مسلحة نووياً. ولم يكن ليصير لدينا اتفاق إيراني لوقف البرنامج النووي، الأمر الذي تحقق في عهد إدارة أوباما. كان الإيرانيون ليستمروا في برنامجهم النووي، الأمر الذي كان ليجعل المنطقة أقل استقراراً بكثير، وكنا لنصبح أمام قوتين نوويتين على الأقل: إيران والعراق.

ـ ترى أن ذلك ربما كان ليشجع، في اعتقادك، إيران أكثر على إنتاج أسلحة نووية؟
– عندما كنتُ في العراق، خلصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران أبطأت وتيرة (ولم توقف) برنامجها بسبب شعورها بالقلق. ونعلم الآن أن الاتفاق الذي توصلت إليه إدارة أوباما مع إيران يجري تقويضه كل يوم من قبل الإيرانيين. والآن، لدينا تهديد حقيقي بظهور مشكلة هناك.

ـ أخفقت الولايات المتحدة في الحصول على موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الحرب. لذلك كانت الحرب غير قانونية؛ هل ترى الأمر على هذا النحو، أم أن لديك رأياً مختلفاً؟
– شاركت في السياسة الخارجية طوال 50 عاماً، وكقاعدة عامة، من المفضل دوماً أن تحظى بدعم دولي واسع. إلا أنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة للحصول على موافقة الأمم المتحدة عندما يتهدد الخطر مصالح الولايات المتحدة.

ـ يستخدم الروس الآن ما أظهره الوزير كولن باول أمام مجلس الأمن ليقول إن هناك أسلحة دمار شامل وأشياء أخرى. لم يكن ثمة شيء هناك. لقد كنت في العراق، ولم تجد شيئاً. هل كنت مدركاً لذلك؟
– لا، لم أكن مدركاً. من المهم التزام الدقة حيال الأمور هنا. أفادت الاستخبارات بأن صدام يسعى بجد إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، ومن الواضح أن هذا لم يكن صحيحاً. إلا أنه من المهم أن نتذكر أن الوكالات الاستخبارية الأميركية لم تكن الوحيدة التي على ثقة من أن صدام يعكف على تطوير هذه الأسلحة، وإنما كذلك الفرنسيون، والألمان، والبريطانيون، والروس. اتفقت وكالات استخبارات هذه الدول كلها مع الولايات المتحدة. لذا، أعتقد، حتى لو قلت الآن: حسناً، ألم يكن ذلك خاطئاً؟ أعتقد أن أي رئيس أميركي بعد 11 (أيلول) – حدث جلل وصدمة كبرى للشعب الأميركي راح ضحيته 3 آلاف أميركي – بما في ذلك آل غور، لو فاز في انتخابات عام 2000، كان لينظر إلى تقديرات الاستخبارات الأميركية ويقول: علينا فعل شيء حيال صدام. والآن، ثمة نقطة أخيرة هنا؛ القول إننا لم نجد شيئاً يجافي الحقيقة، ذكر تشارلز دولفر، وهو محقق قدير للغاية، أن صدام أبقى على الخطط والأفراد ومشروعات أسلحة الدمار الشامل، وكان عازماً على استئناف هذه المشروعات.

ـ ذكرت للتو أمراً لافتاً للغاية؛ أن المصالح الأميركية تعلو القانون الدولي…
– لا، ما قلته أنه ليس من قانون دولي ينص على أنه يجب علينا الحصول على موافقة من الأمم المتحدة كي ندافع عن المصالح الأميركية.

ـ ما الأساس القانوني للحرب إذن؟
– الأساس القانوني داخل الولايات المتحدة كان قراراً رئاسياً.

ـ هل كان الرئيس بوش العقل المصمم للحرب؟ ذكرت في مقابلات سابقة أن هذا جرى ليس لإطاحة صدام حسين فحسب، وإنما كذلك الحكم السنّي الذي دام ألف سنة ب‍العراق. وسيترك ذلك تداعيات عميقة ليس في العراق فحسب، وإنما في المنطقة بأسرها.
– أولاً، الرئيس هو مَن يتخذ القرارات. أما بمراجعتي للأمر بعد ذلك، بعد فترة طويلة من مغادرتي العراق، فخلصت إلى أنه بعد الهجمات الإرهابية في التسعينات وهجمات 11 سبتمبر، فإن أي رئيس أميركي، ديمقراطي أو جمهوري، كان ليوافق على ما عرضته الاستخبارات على بوش. ومن المثير أن تجد (إذا عدت بالذاكرة إلى الوراء إلى داخل «الكونغرس» الأميركي) أن غالبية السياسيين بفارق كبير وافقوا على شن هجوم ضد العراق؛ سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.

ـ لم يكن هذا قرار رجل واحد.
– لا، لا.

ـ خلصت الولايات المتحدة إلى أن هذا أمر يجب القيام به.
– صحيح، أعتقد أنه من الإنصاف القول إنه كان هناك إجماعاً سياسيلً عبر أرجاء البلاد عندما اتخذ بوش هذا القرار.

ـ صحح لي إن كنت مخطئاً… كيف لك وأنت دبلوماسي كيسنجري النهج، بمعنى أنك تؤمن بالسياسة الواقعية، أن تنفذ خطة للمحافظين الجدد داخل الولايات المتحدة… كيف ذلك؟
– لم أنفذ خطة للمحافظين الجدد، أو المحافظين القدامى، أو أي طرف آخر، وإنما نفذت خطة بتوجيه من رئيس الولايات المتحدة الذي قال لي: أمامك مهمتان: الأولى محاولة تسيير عجلة الاقتصاد من جديد لصالح الشعب العراقي، والثانية معاونة العراقيين على اتخاذ مسار الحكم التمثيلي. هذان هما الأمران اللذان صدرا لي من جانب الرئيس، وهما الأمران اللذان أنجزتهما.

ـ كان ذلك مجرد إعلان؟
– لا، لم يكن إعلاناً فحسب، وإنما دعاني الرئيس لتناول الغداء معه فقط داخل غرفة الطعام الصغيرة الخاصة الملحقة بالمكتب البيضاوي للتحدث معاً. كنا أنا وهو فقط، ولم يكن هناك مَن يدون ملاحظات، ولم يكن من أحد سوانا…

ـ لكنك تعلم أن الرئيس كان يدلي بكثير حول «الشرق الأوسط الكبير»، وأمور أخرى على صلة بالغزو العراقي. كما تحدث الرئيس علانية حول أن هذا الأمر ستكون له تداعيات قد تستمر لعقود، ليس داخل العراق فحسب، وإنما في المنطقة. وبعد 20 عاماً، ثبت أنه كان صائباً.
– نعم، حسناً، لا أعتقد أن الرئيس استخف بهذا القرار. وأعتقد أنه أدرك أنه ستكون له تداعيات، لكنني استوعبت أيضاً هدفه. وكان هدفه مساعدة العراقيين على استعادة بلادهم اقتصادياً وسياسياً.

ـ لقد عملت محل غارنر (جاي غارنر الجنرال الأميركي الذي عينته حكومته حاكماً للعراق بعد الغزو) في أعقاب سقوط صدام بفترة وجيزة. كيف حدث ذلك؟ ولماذا قرر الرحيل؟
– أكن احتراماً شديداً للجنرال غارنر، وأعتقد أنه أبلى بلاءً رائعاً للغاية في ظل ظروف شديدة الصعوبة. وحسب علمي، فإن اسمي، بصورة ما، وُضع على مكتب وزير الدفاع رامسفيلد.

ـ أنت لا تعرف كيف؟
– لم أكن أعرف أن لديه اسمي. كانت لديه قائمة تضم 12 أو 14 اسماً لأشخاص آخرين. ولست أدري العملية التي خاضها للاختيار. على أي حال، أوصى بي في نهاية الأمر للرئيس.

ـ ربما ذكرت ذلك في كتابك، «عامي في العراق»؛ أن غارنر رغب في تنظيم انتخابات في غضون 90 يوماً من الغزو. لم يبدُ الأمر واقعياً. هل بدا لك واقعياً؟
– لا، لا. خلال لقاءاتي بالرئيس، ومجلس الأمن الوطني، ونائب الرئيس، ووزيري الدفاع والخارجية قبل مغادرتي البلاد، كانت الرسالة الوحيدة الواضحة من الرئيس والآخرين، بمن في ذلك وزير الدفاع رامسفيلد، ووزير الخارجية (كولن) باول، أننا سنحظى بالوقت الكافي. وسُئلت عن ذلك وقلت: أتفق مع أن هذا الأمر سيستغرق عاماً على الأقل، وربما عامين. سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً، وعلينا التحلي بالصبر. وسمعت في الراديو أن غارنر أخبر الجميع لتوه بأنه سيعين حكومة في غضون 10 أيام. وقلت ذلك في كتابي: «إنني في تلك اللحظة كدت أنحرف عن مساري على الطريق السريع». لقد أصابتني دهشة شديدة…

ـ جرى التعجيل بإرسالك للعراق. ما كانت النصيحة المثلى التي تلقيتها قبل مغادرتك؟
– حسناً، كانت أفضل نصيحة قدمها الناس لي؛ أن أحاول تحقيق بعض الفوائد الاقتصادية للشعب العراقي بأسرع ما يمكن. لقد دمر صدام فعلياً الاقتصاد العراقي على أي حال. وعندما وصلتُ إلى بغداد، وأنا هنا أطرح مجرد مثال، كنا ننتج على مستوى البلاد بأكملها 300 ميغاواط فقط من الكهرباء. وهذه الكمية لا تكفي، كما تعلم، لقرية صغيرة.

ـ كانت البلاد تحت الحصار. إذن، فإن أقل ما يمكن قوله إن هذا لم يحدث بين عشية وضحاها؟
– لا… عانت البلاد من قبل بصورة ما بسبب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، رغم أننا سرعان ما علمنا بالفساد في برنامج «النفط مقابل الغذاء». عندما جاء صدام للسلطة، كان إجمالي الناتج الداخلي بالنسبة للفرد داخل العراق أعلى منه في إسبانيا. وأخبرنا «البنك الدولي» أنه عام 2002 تراجع إجمالي الناتج الداخلي العراقي لأقل مما هو في أنغولا. أما النصيحة الثانية التي تلقيتها، كي أجيب عن سؤالك، فكانت الحرص على ضمان الحديث إلى نطاق واسع من العراقيين حول أي نمط من الحكم كان ممكناً، وأي نمط من الحكم يرغبون فيه.

ـ ذكرت بالطبع مَن التقيته حينذاك من الجانب الأميركي. هل التقيت أي شخص من المعارضة العراقية التي كانت هنا في الولايات المتحدة؟
– لا، لا أتذكر لقائي أي شخص. ربما التقيت شخصاً أو اثنين…

ـ هل تعرف كنعان مكية. كان ينتقد قرار الولايات المتحدة تشكيل سلطة الائتلاف المؤقتة، بدلاً من عقد انتخابات واختيار كيان ديمقراطي…
– حسناً، أكن احتراماً شديداً لمكية. الناس الذين يعتقدون أنه كان هناك بديل لم يتمكنوا من إبلاغي به. لم يكن يجري إحصاء سكاني في العراق منذ عام 1957، ولم تكن هناك حدود للدوائر الانتخابية، ولم يكن هناك فصل فعلي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كانت ديكتاتورية كاملة. ولم يكن ثمة سبيل لعقد انتخابات في العراق بسرعة.

ـإذن يمكن القول إن الجنرال غارنر كان مخطئاً حيال ذلك…
– أعتقد أن غارنر أسيء فهمه. ولم يجر اطلاعه على أسلوب تفكير واشنطن.

ـ ذهبت إلى العراق وأصدرت قائمة طويلة من الأوامر والمراسيم، منها مرسومان تركا تداعيات واسعة النطاق؛ أولهما تفكيك حزب البعث، ثم مرسوم حل الجيش العراقي؛ فهل جرى اتخاذ القرارين وفق خطة محددة؟ ولماذا فعلت ذلك؟ القراران تركا البلاد في حالة سيئة للغاية.
– الحقيقة لا أعتقد أن أياً من القرارين ترك العراق في وضع سيئ على الإطلاق. وأرى أنهما كانا قرارين صائبين. أما من أين جاءا؛ فوزارة الخارجية في مطلع عام 2002، أي قبل عام ونصف العام من الغزو، نشرت دراسة أُعدَّت في واشنطن تحت قيادة دبلوماسي أميركي يتحدث العربية، هو براين كروكر، الذي كان قد عمل في السفارة الأميركية ببغداد عام 1980. قاد السفير كروكر دراسة استمرت عاماً تحت عنوان «مستقبل العراق»، التقى خلالها هو وزملاؤه بوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ووكالات استخبارية، المئات، بل وربما الآلاف من العراقيين، كان معظمهم في المنفى، وتحدثوا حول ما ينبغي أن يكون عليه مستقبل العراق. وخلصت الدراسة إلى نتيجتين: الأولى أنه لا يمكن أن يكون هناك مكان لحزب البعث في عراق ما بعد صدام. لماذا؟ لأن حزب البعث شكل الأداة السياسية في يد صدام للسيطرة ولإرهاب شعبه. وجرى بناء أحزاب البعث بالعالم العربي، مثلما تعلم جيداً، على غرار الحزب النازي. إلا أن صدام استمر في الحكم لفترة بلغت 3 أضعاف فترة حكم هتلر. وعليه، كانت النتيجة أنه لا مكان في عراق ما بعد صدام لحزب البعث. تسلمت تحديداً في اليوم السابق لسفري إلى العراق مسودة أمر من جانب داو فايث، الرجل الثالث داخل «البنتاغون» (عمل وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسات) في ظل قيادة رامسفيلد. كانت تلك مسودة وثيقة لتفكيك حزب البعث. وجاءت متسقة تماماً مع النتيجة التي خلصت إليها دراسة وزارة الخارجية ووافقت عليها. سلمني فايث هذه الوثيقة وقال: «نفكر في إصدار هذه غداً»، وكان يوم أحد، وأجبته: «حسناً، انتظر لحظة. أود الحديث مع بعض العاملين مع غارنر (في مكتب الإعمار والمساعدات الإنسانية) ب‍العراق». بعد ذلك أصدرت الأمر الخاص بحزب البعث، الذي صيغ على أساس القرارات التي اتخذتها أميركا، باعتبارها قوة الاحتلال داخل ألمانيا عام 1945، عند نهاية الحرب العالمية الثانية. كان لديهم برنامج لتفكيك الحزب النازي، الذي كان واسع النطاق، ولم يكن يسمح لأي شخص له أي صلة بالحزب النازي بأن يكون له أي دور من القمة إلى القاعدة. في المقابل، فإن تفكيك البعث الذي صاغته الحكومة الأميركية استهدف فقط الـ1 في المائة من قادة الحزب.

إلا أنني ارتكبتُ خطأ هنا عندما حولت مسؤولية تنفيذ أمر نطاقه شديد الضيق إلى سياسيين عراقيين، لأنه تحول بعدها إلى أداة تقاتل بين أطراف مختلفة بين العراقيين الذين حاولوا توسيع نطاق التنفيذ، وطرد أكبر عدد ممكن من البعثيين، مثل المدرسين، من وظائفهم. ما كان ينبغي لي فعله (…) هو اختيار لجنة مؤلفة من 5 قضاة عراقيين وأقول لهم: أنتم ستتولون الإشراف على تفكيك حزب البعث. إلا أنني أخطأتُ بتحويل هذه المهمة إلى السياسيين، وعندما سمعت أنهم يطردون مئات، بل آلاف المدرسين من وظائفهم، أتى إليّ وزير التعليم. لذا، اضطررت إلى استعادة هذا المرسوم. لذا، كان هذا خطأ.

ـ وتفكيك الجيش العراقي، اقترفتَ خطأ في هذا الأمر…
– نعم، ولا. تفحصت دراسة «مستقبل العراق»، التي أخبرتك عنها سابقاً، مسألة القوة العسكرية العراقية. واضطلع الجيش العراقي، الجيش الحديث الذي جرى بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، بدور مقدر ومسؤول حتى جاء البعثيون وصدام حسين إلى السلطة. بعد ذلك، تحول الجيش العراقي إلى أداة أساسية للسيطرة الجبرية على الشعب العراقي. ومن جديد، ذكرت دراسة «مستقبل العراق»، التي كانت في جوهرها مناقشات بين العراقيين، الأمر ذاته: لا مكان لهذا الجيش في عراق ما بعد صدام (…) لدى سقوط بغداد في 9 أبريل 2003 قال «البنتاغون» والجنرالات الأميركيون والجنرال جون أبي زيد إنه لا توجد كتيبة واحدة من الجيش العراقي مرابطة بأسلحتها داخل العراق. ذهب أفراد الجيش إلى منازلهم. كان الجيش العراقي بضخامة الجيش الأميركي، وضم نحو 700 ألف رجل. وينتمي جوهر مجموعة الضباط بالجيش بالجزء الأكبر منهم إلى السنَّة. أما المجندون، فكانوا في أكثريتهم من الشيعة. وكان هذا الجيش متورطاً فيما اعتبرته الأمم المتحدة حرب إبادة ضد الأكراد في الثمانينات، بما في ذلك استخدام أسلحة دمار شامل ضد بلدة حلبجة عام 1988، واستغل صدام حسين الجيش نفسه، تحديداً ألوية الحرس الجمهوري، في قمع انتفاضة الشيعة بالجنوب بعد حرب الخليج الأولى… وإذا سألتني: أين كان الخطأ؟ فسأجيبك أنه كان اختيار فعل «حل». كان السؤال: هل نستدعي الجيش؟ وتحدث بعض الضباط الأميركيين حول احتمالية استدعاء الجيش. وعندما سمع الأكراد ذلك، أخبرني قائدا الأكراد؛ بارزاني وطالباني: إذا استدعيت الجيش العراقي، فسننفصل عن العراق. وكان هذا ليشعل حرباً أهلية. وسمع الشيعة الذين كانوا يتعاونون مع التحالف، بناءً على توجيه من آية الله السيستاني، الشائعة ذاتها. وقال لي الشيخ عبد العزيز الحكيم: لن نتعاون إذا ما أعدتم ذلك الجيش.

المصدر سياسة – وكالة هنا العراق الاخبارية

اترك تعليقا
آخر الأخبار
اندلاع حريق داخل مخزن للالبسة في حي نوسراوة بأربيل على الطاولة.. مقترح لأزمة نفط كردستان وسعي لإبرام اتفاق مماثل مع بغداد اندلاع حريق داخل مخزن للابسة في حي نوسراوة بأربيل حكومة كركوك.. "تمسك" بكرسي المحافظ والانظار تتجه صوب بغداد للبحث عن "حل أخير" القبض على 10 متهمين تسببوا بمشاجرات عشائرية ببغداد الدفاع المدني يتدخل لإخماد حريق "صاحب البراق" ويطفئ آخر تسبب به "فيت بم" ببغداد وزير النفط: 29 حقلا نفطيا سيستثمر في توليد الطاقة الكهربائية الخطابي: حقول كربلاء سيكون لها دور كبير في الإنتاج النفطي وتشغيل الأيادي العاملة "انفلونزا الطيور" تفتك بنوارس دوكان والدفاع المدني تصدر توجيها.. صور امرأة ورجلان بحوزتهم أكثر من 9 كغم "حشيشة" بقبضة أمن ميسان العراق وإيطاليا يوقعان اتفاقية لتمويل مشاريع صناعية منخفض "خماسي" وأمطار "عشوائية" وحرارة تتخطى الـ40 في العراق مخاوف من ضعف الطلب.. "معدلات الفائدة المرتفعة" تخفض أسعار النفط الإعلام الأمني تكشف ملابسات حادث قتل في ميسان وزير النفط: جولات جديدة للتراخيص في 30 حقلا للنفط الداخلية تنوه عن تنفيذ تمرين القبضة الفولاذية في بغداد اليوم دعم برلماني لقرار قطع خدمة الإنترنت خلال الامتحانات النهائية: نتعامل مع غش مبتكر التعليم تحصد المركز الأول في تصنيف المبادرات التطوعية من بينها 8 شركات صينية.. نظرة اقتصادية لمعيار التنافس على الرقع الاستكشافية في العراق الأولى منذ 11 عاما.. الكشف عن تفاصيل محاولة اغتيال ضابط مرور في ديالى خام البصرة يسجل مكاسب اسبوعية بأكثر من 1% مستشار السوداني: جولات التراخيص ستوفر الالاف من فرص العمل للشباب وستسهم في تنمية الاقتصاد السوداني: حرق الغاز سيتوقف خلال 3 5 سنوات القبض على 16 متهما ومصادرة طائرة مسيرة ومواد مخدرة في بغداد وزير النفط: سنعلن عن ارتفاع الاحتياطي النفطي الى 160 مليار برميل بالعراق